** دور المرأة ومشاركتها في التنظيمات الأهلية لا ينفصل عن وضعها في المجتمع بصورة عامة
** لابد من تربية الأبناء على قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي من خلال وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام
** النهوض بالعمل التطوعي يتطلب إتاحة الفرصة أمام إسهامات الشباب المتطوع وخلق قيادات جديدة
** غياب التخطيط والاستراتيجيات الإنمائية يعوق مسيرة المنظمات غير الحكومية عن أداء دورها الإنساني
العمل الخيري أصبح ظاهرة حضارية وأخلاقية تتميز بها المجتمعات البشرية، وخاصة الإسلامية، بدأ في شكل مبادرات تطوعية فردية تقوم علي تقديم العون للشرائح المحتاجة مثل تقديم الطعام و الكساء و المال، ثم أصبح أكثر تنظيماً من خلال مؤسسات اتخذت أسماء مختلفة "مؤسسات المجتمع المدني، مؤسسات العمل الخيري، المؤسسات الأهلية، المؤسسات التطوعية، المنظمات غير الحكومية"، هذه المؤسسات باتت تمارس العمل الخيري من خلال نظم ولوائح تضعها كمنهاج لتقديم مشاريعها وبرامجها الإنسانية.
في هذا الإطار جاء هذا الحوار مع أستاذ علم الاجتماع بالجامعات الليبية والناشطة في العمل الإنساني د.عازه عمر بوغندورة حول دوافع المشاركة في العمل التطوعي، والتحديات التي تواجه المؤسسات الخيرية وسبل تطوير العمل التطوعي
وفيما يلي التفاصيل:
دوافع المشاركة في العمل التطوعي
**كباحثة وناشطة في العمل التطوعي..ما دوافع المشاركة في هذا النشاط الإنساني بتقديرك؟
** يقول الله تعالي في كتابه العزيز"يا أيها الذين أمنوا أركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربكم و افعلوا الخير لعلكم تفلحون"(الحج: 77)، ومن ثم فهناك أسباب عديدة تدفع إلى المشاركة في العمل الخيري، من بينها أن المشارك يسعى لإثبات وجوده وتأكيد ذاته كإنسان حر الإرادة قادر على ممارسة العمل الخيري الذي يمنحه الشعور بالراحة النفسية، أو المشاركة كنوع من الواجب الوطني يجب أن لا يتقاعس المواطن الحقيقي عن القيام بها، فالمشارك هنا يربط بين الحقوق التي يحصل عليها لكونه جزءا من المجتمع، وواجباته تجاه هذا المجتمع، وبالتالي يتعامل مع المشاركة التطوعية كواجب وطني، أو المشاركة بدوافع دينية أو عرقية، أو تلبية لأوامر السلطة، وهذا النوع من المشاركة يوجد في بعض دول العالم الثالث، أو المشاركة طلبا لمنصب أو لموقع وظيفي أفضل.
** يتفق كل الأفراد أو بعضهم في هذه الدوافع ..ما مدي مساهمة المرأة العربية بصفة عامة والليبية بصفة خاصة في العمل الخيري؟.
**العمل التطوعي ظهر في العالم العربي في القرن التاسع عشر واستمر بوتائر مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل دولة من الدول العربية وكان له إسهامات كبيرة في تقديم العون والمساعدات للفئات الاجتماعية المحرومة.
ويعتبر البعد الثقافي القيمي عاملاً مهماً بالعمل التطوعي لما للمنظومة الثقافية والقيمية من تأثير على الدوافع والأسباب التي يحملها الأفراد ولا شك أن الموروث الثقافي العربي الإسلامي يحتوي على العديد من القيم الاجتماعية والثقافية الايجابية كالتعاون والتكافل والزكاة والبر والإحسان وغيرها من القيم التي تحفز المواطن على التفاني من أجل الغير.
ولا شك أن دور المرأة ومشاركتها في التنظيمات الأهلية لا ينفصل عن وضعها في المجتمع بصورة عامة، وهو الوضع الذي سيتحدد بدوره بمدى تطور البني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وإن العلاقة بينهما علاقة جدلية وتفاعلية، فمن المستحيل أن تتطور أدوار المرأة وتتحرر وتصبح شريكاً كاملاً في المجتمع، إلا إذا سمحت مرحلة تطور البني الاجتماعية والسياسية في هذا المجتمع بذلك وهي بدورها تتأثر في تطورها بدرجة تحرر المرأة وتفاعلها مع حركة المجتمع.
ويتمثل النشاط الأهلي للنساء في أنماط متعددة من أقدمها وأكثرها شيوعاً الجمعيات الخيرية النسائية، وهي الجمعيات التي ترتبط بالفلسفة التقليدية للبر والإحسان وتحاول بالتالي ترميم وإصلاح العيوب ومعالجة المشكلات من موقف إصلاحي هي أكثر أصناف الجمعيات رواجاً وعراقةً. هي تارة جمعيات خيرية "مختلطة" تساهم فيها نساء، وتارةً أخرى جمعيات خيرية نسائية صرفة لا تعمل فيها إلا نساء.
والواقع أن البيانات والإحصاءات المتوافرة على الصعيد العربي تشير إلى ضعف المشاركة النسائية بصورة عامة في التنظيمات والجمعيات الأهلية، فضلاً عن ضعفها في العمل النقابي، وتواجد المرأة أساساً على المستويات القاعدية دون القيادية، وبالتالي ابتعادها عن مواقع صنع القرار، كما تأتي هذه المشاركة في هذه التنظيمات من فئات وطبقات اجتماعية معينة ممن يملكن الوقت والمال وكذلك من فئات عمرية متأخرة نسبياً بعد سن الأربعين غالباً، حتى لا يكون هناك أطفال في حاجة إلى الرعاية، كما تتسم هذه التنظيمات في الغالب بالطابع الحضري فتستوعب نساء الحضر، مما يعني تهميش قطاعات ومناطق وأجيال وطبقات اجتماعية عن المشاركة في العمل الأهلي النسائي العربي، يؤدي ذلك حتماً إلى صياغة مضمون النشاط الأهلي في إطار أنساق فكرية وثقافية وقيمية لا تمثل الغالبية العظمى من النساء العربيات.
**وماذا عن دور المرأة الليبية في هذا المضمار؟
** في ليبيا لم يكن للعمل الخيري أو مؤسسات المجتمع المدني ذلك الدور الواضح الآن، ولعل المؤسسة الخيرية المعروفة كانت جمعية "واعتصموا" وكانت جل خدماتها خارج ليبيا.
لكن بعد 17فبرابر ونجاح الثورة الليبية ظهر العديد من المنظمات و الهيئات و مؤسسات العمل الخيري في ليبيا خاصة في المنطقة الشرقية من البلاد، وقد كان للمرأة دور حيوي وبارز في مساعدة المجتمع على الاستقرار ومواجهة الحرب الضروس التي شنها النظام السابق على الشعب، ومن هنا عملت هذه المؤسسات كبديل للحكومة فنسقت العمل المدني وأقامت المأوى للمتضررين، و قدمت الإغاثة للنازحين داخل البلاد و خارجها وخاصة في تونس و مصر، و مدت يد العون للمدن المحاصرة.
التحديات
**لكن مؤسسات العمل الأهلي في ليبيا تواجه كغيرها في المجتمعات العربية صعوبات ما أبرزها في تقديرك؟
**المشكلات التي تواجه مؤسسات العمل الأهلي في ليبيا عديدة، وهي تشترك في مثل هذه التحديات مع العديد من مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية والإسلامية ومن بينها:
أولا: تعتبر مشكلة التمويل من أهم التحديات التي تعرقل عمل المنظمات غير الحكومية وتحط من نشاطها، وتلعب المساعدات المادية دوراً محورياً في تحديد اتجاهات عمل المنظمات غير الحكومية، وتتأثر مسألة الحصول على التمويل بالاستراتجيات والأهداف المعلنة للجهات المانحة للدعم، بل وتتأثر بخطط العمل والأوليات والأنشطة المقترحة من قبل صناديق التمويل الإقليمية والدولية ووكالات الأمم المتحدة ومنظماتها التي تحرص على تقديم الدعم الفني والمادي للمنظمات غير الحكومية، كما ترتبط فرصة الحصول على التمويل بنوعية النشاط والتوجيهات والأهداف المعلنة من قبل المنظمات غير الحكومية، سواء كان التمويل من جهة محلية أو دولية.
ثانيا: النقص في الكوادر والمهارات والخبراء الفنيين والإداريين للقيام بنشاطات المنظمات غير الحكومية قد يعوق من تطورها؛ بالإضافة إلى ضعف البناء المؤسسي. وهذان العاملان أساسيان في تنشيط دور المنظمات غير الحكومية والشراكة مع الحكومة.
ثالثا: إن سوء وضعف الوعي بأهمية التنسيق فيما بين المنظمات، وعدم توحيد الجهود في قضية معينة، كالبيئة وحقوق الإنسان أو الفقر يؤدي في كثير من الأحيان إلى تشتت الجهود اللازمة لتحقيق الأهداف المبتغاة ويضعف الدور الفعال المرتقب للمنظمات غير الحكومية كجهات ضاغطة للتأثير على السياسات العامة. ويعود ذلك إلى عدم الثقة والوصولية والتنافس في الحصول على الدعم اللازم والتمويل لتنفيذ المشاريع والأنشطة وتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية.
رابعا: غياب التخطيط والاستراتيجيات الإنمائية التي يجب أن تضعها المنظمات غير الحكومية لتسيير عملها وتنشيط عملها يعتبر من أهم المعوقات لدور هذه المنظمات في التنمية المحلية.
خامسا: صعوبة الحصول على مقر تمارس فيه المؤسسات الأهلية عملها، فالمعروف أن ليبيا رغم أنها دولة نفطية و عدد سكانها لا يزيد عن 6مليون نسمة لم يتم فيها اعتماد خطة بناء سكني أو خدمي منذ 1980م مما خلق أزمة خانقة في المباني، و بالتالي يصعب الحصول علي مقر تمارس فيه الجمعيات نشاطها.
سبل تطوير العمل التطوعي
** في تقديرك كناشطة في الحقل الإنساني وأكاديمية..كيف يمكن تطوير العمل التطوعي؟
**تشير الدراسات إلى ضرورة التأكيد على أهمية تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في نفوس الناشئة منذ مراحل الطفولة المبكرة، وتضمين البرامج الدراسية بعض المقررات التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية؛ مما يثبت هذه القيمة في نفوس الشباب مثل حملات تنظيف محيط المدرسة أو العناية بأشجار المدرسة أو خدمة البيئة.
هذا بالإضافة إلى أن النهوض بالعمل التطوعي يتطلب إتاحة الفرصة أمام مساهمات الشباب المتطوع وخلق قيادات جديدة وعدم احتكار العمل التطوعي على فئة أو مجموعة معينة، وتكريم المتطوعين الشباب ووضع برنامج امتيازات وحوافز لهم، وكذلك تشجيع العمل التطوعي في صفوف الشباب مهما كان حجمه أو شكله أو نوعه، وتطوير القوانين والتشريعات الناظمة للعمل التطوعي بما يكفل إيجاد فرص حقيقية لمشاركة الشباب في اتخاذ القرارات المتصلة بالعمل الاجتماعي.
هذا بالإضافة إلى إنشاء اتحاد خاص بالمتطوعين يشرف على تدريبهم وتوزيع الاختصاصات عليهم وينظم طاقاتهم، والعمل على تشجيع الشباب وذلك بإيجاد مشاريع خاصة بهم تهدف إلى تنمية روح الانتماء والمبادرة لديهم.
وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتورة / عازه عمر بوغندوره، لما تفضلت به علينا من علمها الوفير راجين المولى تبارك وتعالى لها دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.